20‏/05‏/2010

"نهضة مصر" يبكى شبابه



اليوم.. العشرون من مايو يتم تمثال نهضة مصر عامه الـ 82 أهم أعمال النحات محمود مختار والتمثال لفتاة مصرية تقف بجانب تمثال أبي الهول وتضع يدها على رأسه والذى اعد وقتها رمزا لمصر الحديثة وهي تنظر إلى المستقبل، والتى كانت وقتها واقعة تحت الاحتلال الانجليزى وتسعى بشدة للاستقلال والآن بعد مرور كل هذه السنين على إزاحة الستار عنه وحصول مصر على الاستقلال، هل مازال هذا التمثال رمزا لمصر الحديثة...؟ هل مازالت هذه الفتاة تنظر للمستقبل ام تنظر للماضى وتبكى على شبابها..؟ وأخيرا هل هى راضية عن مصر الحديثة... مصر القرن الواحد والعشرون..

فلاحة مصرية ترتدى جلباب قطنى طويل التيلة صناعة مصرية وتمسك برأس أشهر ما نحتت أيدى المصريين القدماء وتقف بشموخ رافعة رأسها متحدية الكل، واليوم توجه سؤال ألم نعد نحن المصريين ذاتهم... أم أن مصر هى التى تغيرت؟... وهل ما تبقى لدي هذه الفلاحة المصرية من أفكار لم يعد يناسب المصريين الآن..

أحداث كثيرة وتغيرات جذرية عصفت معها بالكثير من الباليات المصرية بداية من التخلص من الحكم الملكى رغم اختلاف الروايات عن حسناته ومساوئه ما بين مؤيد له كنظام حكم لمصر وبين ما هو معارض له حتى النخاع.. انتهاء ما يعرف بالتوريث ولكن ما يلوح فى الأفق حاليا يؤكد أن الاعتقاد السائد بانتهاء توريث الحكم ليس إلا أوهام ملأت بها الثورة رؤوس المصريين ليس أكثر...

أحداث مشرفة كتأميم قناة السويس وإنشاء السد العالى وحرب أكتوبر 73 وهى أحداث لم يعشها وقت حدوثها أو يعى أحداثها جيلى وأجيال قبلى بقليل، إلا أننا قرأنا وسمعنا عنها وعن أبطالها المصريين، وما حملته معها هذه الأحداث من تغيير، ولكنه لم يكن تغيير حقيقى فهو ليس سوى نقله من ملكى توريثى إلى رئاسى توريثى، وبعيدا عن لفظ التغيير حملت هذه النقلة أمل فى مستقبل أكثر إشراقا، إلا أن ما نراه الآن ونلمس أثاره سواء كانت ايجابية أو سلبية، مع اعتراضي التام على إطلاق لفظ إيجابى على أى آثار له لأنه لم ياتى سوى بكل ما هو سلبى تخلفى لا يوحى بمستفبل مشرق إلا أن هذا هو الحال.. ولكن ما الذى بقى حقيقة من هذه الأحداث العظيمة ورياح التغير التى قالوا إنها هبت على مصرنا الحبيبة بفضلهم، حتى أصبح الحلم بنسمة صيف للتغيير لم يعد موجود.

جيلنا قد يسمع هذه الأحداث ولا ترتسم على وجهه هذه الملامح التى نراها عندما يحكيها بعض الآباء والأجداد بفخر وأنها لم تأتى بضربة حظ وإنما بأرواح رجال كانوا أصدقاء وإخوة وجيران لهم، وهذه هى الحقيقة الواحدة التى لا يختلف عليها مصرى واحد وهى أن الحرب خلقت نسيج واحد راح ضحاياه مصريين بكى فيها المسلم على المسيحى وندب فيها المسيحى الشهيد المسلم، رغم إنكار الكثيرين الآن هذه الحقيقة إلا أنها مؤرخة حتى وأن كان التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون على هواهم.

ولكن هل نعيب زماننا والعيب فينا.... وما لزماننا عيب سوانا لم يصل المجتمع المصرى إلى ما وصل إليه إلا عندما أصبح العيب سمة أساسية لكل أفعال المصريين، فلم تكن كلمة تحرش جنسى لها وجود فى القاموس المصرى أو سلوك قد يخطر على بال أكثر الشباب انحطاطا، أما اليوم فأصبح التحرش الجماعى هو لهو الشباب ومتعتهم. فى ظل تراجع ما يعرف بمصطلح الرجولة ومبدأ "الجرى نص المجدعة" منهم مم يخشى الدفاع عن النسوة المنتهكات علنا.. ومنهم من يفضل الأكتفاء بالمشاهدة من بعيد.. وكثيرين ممن تتولد لديهم رغبة فى المشاركة فى هذا الحدث الجماعى الذى لن يعاقب عليه سوى الضحية فقط وغيرهم من نماذج الرجولة والشهامة بالمصطلح العصرى الجديد.

وليس التحرش الجنسى فقط وانما حوادث القتل البشعة التى أصبحت خبر اساسى فى صفحة الحوادث يوميا وتفنن القتلة فى أرتكاب جرائم لم يرتكبها مجرمون قبلهم.. هذا بالاضافة أيضا لكلمة "جماعى"التى أصبحت سمة الجرائم، فحوادث القتل الجماعى كالتحرش الجماعى أى أن جريمة القتل الواحد لا يذهب ضحيتها شخص واحد وإنما أسر بأكملها ويظل الجانى أو الجناة أحرار لعجز السلطات عن اللحاق بهم او حتى كشفهم.. ولم تكن الأحداث الطائفية وقتل المسحيين رد فعل لأحداث بعيدة كل البعد عن كون الضحايا أقباط وربطهم بجرائم لا صلة للدين بها وإنما تتخذ مجرد ساتر لتبرير الإرهاب تجاههم.. وكأن العنف الطائفى يحتاج لمبرر أكثر من أختلاف العقيدة.. وغيرها من الجرائم والسلوكيات التى جاء معظمها حديثا كمظهر من مظاهر المدنية، وليس بسبب الفقر والجوع كما يبرر كثير من المحللين وملونين الصورة القاتمة ومتعمدى إخفاء الحقائق والتجمل.. وإنما هذه إفراز تخلى المصرى عن أخلاقه التى لم تعد تناسب القرن، فالعيب الأخلاقى لا تصلحه حكومة، خاصة وأن الحكومة هى أيضا منظومة من أشخاص أن لم يكن التعديل من الداخل لن يستطيع هؤلاء تقديم ما يغير الخارج.

هل ينظر نهضة مصر الآن للمستقبل.. أم مكتفى بالوقوف حتى يأتى الله بقوم غير القوم، أم منتظر قيام الساعة لسأمه من متابعه ما يحدث دون أن يغير ساكنا.


كتبتها فى نفس اليوم لكن من سنتين
ك. ك