19‏/06‏/2010

ذبابة سقراط تطن.. والذبابة المصرية تزن


بالرغم من الأدلة التاريخية التي تثبت وجود سقراط إلا إنه مازال شخصية غامضة ويعتقد البعض أنه شخصية خيالية ابتكرها أفلاطون - في محاوراته - ليوجه رسالة إلى الشعب اليوناني ينتقد فيها الأوضاع السيئة التي وصل إليها المجتمع وقتئذ فنسبها إلى شخصية خيالية مثالية وأسماها سقراط الذي ضحى بحياته ومات شهيدا في سبيل الأخلاق والفضيلة مما يضفى عليها نوع من الجاذبية والتأثير.

ولكن الأكثر واقعية هو التسليم بأن سقراط شخصية حقيقية فعلا أضفى عليها أفلاطون فقط بعض القسمات البطولية، وفي كل الأحوال تم اعتبار سقراط هو الرسالة التي حاولت إيقاظ الشعب اليوناني من غفلته اللااخلاقيه التي سادت وقتها.

ماذا لو لم يكن سقراط فمن سيكون..؟ أي بمعنى لو لم تُوجد شخصية سقراط فمن كان ليظهر عوضا عنه ينادى بالأخلاق والفضيلة..!!، هل كان ليظهر على الأقل شخص واحد يتمرد على هذه الأوضاع السيئة ويواجهها بشجاعة، هل يمكن أن يظل مجتمع فاسد ولا يواجهه احد أو حتى يشعر بمساوئه.

فإذا سلمنا بأن سقراط شخصية من وحى خيال أفلاطون فظهوره أذن كان ضرورة عصره فكل مجتمع فاسد يحتاج سقراط خاص به يوقظه من غفلته أيا إن كانت نوعها، فكما قال سقراط دفاعا عن نفسه إنه شبيه بذبابة صغيرة على ظهر جواد عظيم - قاصدا به دولة اليونان - وهذا الجواد يحتاج لمن يوقظه وهذا ما تفعله هذه الذبابة الصغيرة وأن كانوا سيقتلونه فعليهم أن يجدوا آخر ليقوم بهذه المهمة.

ووفق الروايات التاريخية فأنه بعد إعدام سقراط أنقضي العصر الذهبي لليونان، وأن كان هذا دليل فهو دليل علي ضرورة أن يتمتع المجتمع بفكر وسلوك واعي قادر على تقبل الأخر مهما كان اختلافه، ويستمع لكل رأى حتى و أن كان صادرا من ذبابة صغيرة (كما يراه المجتمع ) لعله يكون الباعث له، عوضا عن قتلها تخلصا من صوتها الملح المزعج.

فسادنا يا سادة هو فساد أخلاقي بحت.. فساد وصل للنخاع.. مجتمعات كثيرة أكثر فقرا واشد جوعا من مجتمعنا المصرى إلا أن منظومتها الأخلاقية أسمى بكثير من مجتمعات تعمها الرفاهية والرخاء.. أزمتنا أزمة أخلاق.. بالإضافة إلى هؤلاء الذين ظنوا فى أنفسهم أولياء على سلوك وحرية الأخر متخطين حواجز التعبير بالرأي والتدخل فى شئون الآخرين بفرض وصاية غير مبررة وغير مقبولة.

هل يقبل مجتمعنا الرأى الأخر.. هل يقبل مجتمعنا اختلاف الأخر.. هل يقبل مجتمعنا عقيدة الأخر.. هل يقبل مجتمعنا حرية الأخر التى لا تتعارض مع حريته ولا يحاول تطبيع الآخرين بطباعه.. هل يقبل مجتمعنا ثقافة الأخر.. هل يحترم مجتمعنا الأخر.. هل يقبل مجتمعنا التعايش بسلام مع الأخر.. هل يقبل مجتمعنا عدم التدخل فى شئون الأخر.. أسئلة ذبابة مصرية تحاول العثور على إجابات قبل أن ترافق صديقتها الذبابة السقراطية اليونانية، ولكن هل ستحصل على إجابات من مجتمع يعج بالضوضاء ولا يسمع طنينها أحد.

ك.ك
كتبتها من 3 سنين تقريبا

13‏/06‏/2010

إحنا ليه بنحب مصر..؟ سؤال غريب مجاوبش عليه




فى طريق ذهابى إلى العمل اليوم لاحظت ولأول مرة لافتات إعلانية خاصة بأحد البنوك معلقة على أعمدة الإنارة فى منطقة العباسية.. وكان الغريب فى هذا الموقف شيئين.. الأول هو أنى عادة ما ألاحظ كافة الإعلانات والأرقام والملصقات المكتوبة طوال طريقى إلى أي مكان حتى أصل لمرحلة حفظهم صم وعن ظهر قلب، كما أتابع أرقام السيارات وحاليا تلك اللوح الجديدة التى تحمل 3 حروف وأقوم بتجميعها وعمل كلمات وجمل وغيرها إلا أنى وسط كل هذا لم أشاهد تلك اللافتات الإعلانية من قبل.. أما الشئ الثانى والذى يعد أكثر غرابة هو محتوى تلك اللافتة الذى لم افهمه بشكل جيد واختلط علي الأمر هل هو إعلان أو دعاية لهذا البنك أم هو سؤال يطرحه البنك على المصريين ويريد منهم التوجه إلى اقرب فرع للإجابة عنه.. حيث كان محتوى اللافتة "إحنا بنحب مصر ليه..؟"

ونظرت حولى لأجد من يشاركنى الدهشة ذاتها لنتجاذب أطراف الحديث لعلى افهم المقصود من هذه اللافتات ولكنى لم أجد احد مهتم.. قد يكونوا رأوها ولكنهم لم يكترثوا.. وهناك من أجاب عنها بداخله.. ولكنى ولما عُرف عنى من تفوق والتزام دراسى.. وقبل ذلك معرفتى لحقوقى كاملة فى وطنى العزيز.. لم أوافق على تسلم ورقة الإجابة للإجابة عن هذا السؤال قبل ما يُجيب أحد المسئولين البارزين "اللى كلمته ليها قيمة يعنى" على هذه الأسئلة القليلة...
هل هذا السؤال إجباري أم إختيارى..؟
ما هو الوقت المسموح لتسليم ورقة الإجابة..؟
ما هى المصادر المطلوب الاستعانة بها خلال الإجابة..؟
هل مسموح استخدام معلومات من كتب خارجية أم الالتزام بالمقرر الدراسى..؟
ما هى نتيجة الرسوب فى هذا الامتحان.. وما هى المكافأة فى حالة النجاح..؟
ما هى المواقف المطلوب الاسترشاد بها فى الإجابة..؟
هل مسموح إرفاق صورة من واقع حياتنا اليومية الرائع مع الإجابة المكتوبة..؟
لمن سيتم تسليم ورقة الإجابة.. ليتسنى لنا كتابة الإجابة التى تتناسب معه.. وذلك تجنبا لسماع جملة "دلعه يا لولو"..؟

إذا أجابني أحد المسئولين الموقرين على هذه الأسئلة قد أتجرأ وأن لم أفعل قد اتناول "حبيتين شجاعة" وأجيب عن السؤال بكل صراحة خلال تلك الظروف التى لا تتيح مساحة كبيرة لكتابة سطر حقيقى واحد حول أسباب حبى لمصر.. خاصة وانى طرحت على نفسى السؤال ذاته قبل رؤيتى لهذا اللافتات بفترة طويلة وكانت الإجابة "عفوا المادة التى تبحث عنها يتعذر الحصول عليها لأنها مشفرة من قِبل المصدر".. والآن انا حائرة وأبحث عن إجابة.. كما أبحث عن هذا المصدر الذى شفر إجاباتى وجعلنى عاجزة عن الحصول على الحقيقة حتى من ذاتى..


ك.ك


13-6-2010

10‏/06‏/2010

العلم الذى حلل النغمات الموسيقية يقف عاجزا أمام الحب


"أن كان العلم استطاع أن يحلل الموسيقى ويكتشف سر تلك النغمات الرائعة... لماذا لا يستطيع أن يجد حل لمعلمة وملك"... "لعل عجز العلم عن إيجاد حل هو سر عظمة وحسن ما يجمعنا".... أخر جملة حوارية فى الفيلم الأجنبى الشهير"Anna and The king"... تلك المعلمة الإنجليزية التى أحبت ملك سيام وأحبها... ووجد الحب فيها رغم انه متزوج عشرات السيدات إلا انه بواقع كونه رجل لم يحب سوى تلك المعلمة وبواقع كونه ملك لم تسمح له الأقدار أن يجتمع هو والمعلمة أبداً... يستطيع الزمن أن يغيرنا ولكننا لا نستطيع حتى أن نعدل مساره...

وفى رأى تلك الجملة الحوارية الأخيرة فى هذا الفيلم الرائع من أروع الجمل الحوارية التى سمعتها خاصة وأنى من عشاق متابعة الحوارات بين شخصيات وأبطال الأفلام المقتبسة قصتها والمأخوذة عن روايات عالمية... فكثيراً ما تكون مؤثرة وذات معانى عميقة تصل لحد تسميتها بالأمثال والحكم أو الأقوال المأثورة التى قد يحتذى بها الإنسان فى حياته....

"لماذا لا يستطيع العلم أن يجد حل لمعلمة وملك..؟" هو السؤال الأكثر عمقاً والذى يسأله معظمنا أن لم نكن جميعاً لأنفسنا عندما نقع فى معضلة الحب التى بلا تفسير منطقى... ولكن ليس كل ما يمر على قلوبنا يحتاج مننا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال... لأن الحب الذى دفع المعلمة لتسأل هذا السؤال... حب زلزل كيان مملكة... حب هدم أفكار بالية وأرسى قواعد جديدة... حب أقام رجل من سبات عميق عاش فيه طويلاً يجد فى النساء اللذة ووسيلة لإنجاب الأطفال أولياء العهد للحفاظ على المملكة.. ولكن هذا ليس معناه عدم احترامهن بل بالعكس كان حنونا عليهن جميعهن.. ولكن ما كان يكنه من مشاعر لهن كان مجرد مشاعر إنسانية من قلب إنسانى إلى أخر وليس من رجل لامرأة... ليجد فى حياته الجديدة عقب دخول المعملة حياته رجل محب وعاشق إلى حد الجنون.. حب جعل من ملك قوي تشهد له الجيوش والبلاد بقوته وحكمته يطيع إمرأة أجنبية في إدارة شئون بلاده.. امرأة متزمتة وملتزمة إلى حد السيف جاء هذا الحب جارفا ولم تستطع الصمود أمامه فأحبت بوذى كافر من وجهة نظر عقيدتها... أحبت الإنسان والرجل الذى لا يختلف على وقاره وشهامته وتضحيته ما أوصت عليه الأديان أن يكون الأنسان... حبهما وصل لأعماق أعماق جذور القلب... وهذا هو ما أستحق بجدارة السؤال عن عجز العلم عن إيجاد حل لأصحابه غير الفراق...

أما من تفرقهم الأقدار لوجود مشاكل حدثت بينهم بمرور الأيام وتعقدت العلاقة كل ما اقتربت من الجدية.. أو لاختلاف الطبائع وتسرب الملل للعلاقة لا يمكن أن نلوم العلم أطلاقاً بل بالعكس العلم اثبت عدم توافق كثير من الشخصيات بعضها مع بعض لاختلاف الأهواء والميول... أما ما يقف العلم عاجزا أمام حله هى تلك المشاعر وهذا الحب الذى يصل لأعماق أعماق جذور القلب... هذا الحب الذى يهدم ويبنى من جديد وينقب عن أفضل ما فينا ويزرع ويحصد حياة... إلا أن القدر... ويالها من كلمة لأكثر ما يعيق حياة الإنسان...

القدر الذى لا يسمح لهذا الحب أن يثمر بل يفرق ويخلف وراءه الزرع ليذبل والشعلة تخبو ليترك قلوبنا دامية إلى الأبد... ورغم استمرار الحياة إلا أنها لن تكون أبداً على ما كانت عليه عندما كان هذا الحب موجودا يقلب ويعصف ويأتى بفصول السنة الأربعة فى حياتنا وقت ما يشاء... حيث يهطل المطر طوال العام فلا تجف المشاعر أبداً.. تزهر الآمال والطموحات كربيع دائم... تسقط المشاكل والعقبات كورق شجر الخريف... أيام كلها حب ودفئ كليالى صيف هادئ...

هذه هى العلاقة وهذا هو الحب الذى يستحق السؤال عن عجز العلم فى إيجاد حل له.. ولكن هل جواب الملك كافى لتهدئة النفس وتعزية الروح وتضميد جرح القلب... هل معضلة الحب تلك كما قال هى جوهر روعته وفيها يكمن حسنه... هل ترضى القلوب بحب أقل روعة وحسنا حتى لا تمرض... أسئلة لن نستطيع حتى طرح إجابات خيالية لها... لأن العلم الذى فك لغز الموسيقى مازال عاجزاً حتى اليوم عن إيجاد حل لمعلمة وملك.

ك.ك
21-1-2010


09‏/06‏/2010

"عسل أسود" ولا "أبيض" أهو أى حاجة فى رغيف


شاهدت فيلم احمد حلمى الجديد "عسل أسود" وتابعته بكل اهتمام خاصة بعد موجة المقالات التى كُتبت عنه فى كافة الجرائد القومية والخاصة منها ما ينقضه ويرفضه ويعتبره يسئ لسمعة مصر فى الخارج التى من وجهة نظرهم بريئة مما يقال عنها لأنها جنة الله فى الأرض.. ولكن من وجهة نظرى أنا فأن نقدهم هذا وخوفهم على سمعتها لابد أن يكون سببه الأساسى هو أنها لا تحتاج تشويه أكثر من ذلك "ومش لازم ننشر غسيلنا اللى لسه متغسلش قدام الناس"... وهناك الفئة المؤيدة له والتى تجده يعكس واقعنا الأليم وحياة المصريين المذرية وكرامتهم المهدرة فى الداخل أكثر من الخارج...

ولكن بين هاتين الفئتين كنت أنا وحدى فى هذه المنطقة فأنا وجدت الفيلم لا بأس به، فيه قدر كبير من كوميديا الموقف وليس كوميديا الإسفاف والابتذال والألفاظ الخارجة، الممثلين قاموا بأدوارهم بصورة مقنعة رغم أنى لست بناقدة فنية ولكن لم أجد أى منهم ثقيل الدم أو يبذل مجهود لأقناعى بدوره، وبالنسبة لقصة الفيلم فقد كانت مشوقة وتعكس واقع المصرى المهان والذى لا تساوى جنسيته فى بلده سوى الضرب والشتيمة "من الأخر.. الجنسية مصرى وانت جوة مصر يعنى علامة مسجلة، والغاوى ينقط على قفاك"، فإذا كنت مصرى وتحتاج إلى أن تشعر بآدميتك فى مصر عليك أن تحمل جواز سفر يحمل جنسية أخرى، وهذا كله عكسه الفيلم بمهارة وبراعة لافتة وهنا كنت انا من المؤيدين.. ولكن هذه الرؤية لم تعجب الكثيرين الذين فضلوا أن يقدم الفيلم قصة المصرى الذى يقضى أجازته على شاطئ الريفيرا فى رحلة مدعمة على بطاقته التموينية والتى توفرها له حكومتنا الموقرة كل عام لقضاء الأجازة الصيفية هو وأسرته للترفيه عن أنفسهم.

ولكن موقفى المؤيد لم يستمر حتى نهاية الفيلم حيث وجدت النهاية غير مقنعة تماما، كيف يمر إنسان يحمل الجنسية المصرية والأمريكية بكل هذه المعاناة فقط لنسيانه جواز سفره الأمريكى ثم تٌعاد له كرامته عندما يحضره وبعد ان يمر برحلة ذل لم تخطر على باله قط ولم يحتملها يقرر المكوث فى مصر، فقط لأن رجل مصرى عجوز تحمل قسمات وجهه عبق التاريخ المصرى يخبره بخبرته المحنكة فى البلد الجميل أن مصر هى البلد الوحيد الذى سيجد فيه أم تعيل ابنها البالغ من العمر 30 عاما ولا يعمل ولكنها لا تشعر بغضاضة بل سعيدة بكونه "عواطلى" ولا تمانع أيضا إعالة أصدقائه وأعطائهم مصروف جيبهم، بالإضافة إلى استقبالها لابنتها المتزوجة هى وزوجها لأن منزل والدته مزدحم، وما أجمل هؤلاء الجيران المميزين الذين يغدقون بعضهم بعض بالأطعمة ويقدمون الخدمات فى كل وقت وكأن ليس لديهم سوى هذه المهام ليقوموا بها طوال اليوم من تقديم مساعدات...

سيدى العزيز أين يعيش هؤلاء الناس؟.. فى مصر.. هل أنت متأكد؟.. هذا سؤال وجهته لكاتب قصة الفيلم وكانت هذه إجابته، وهو طبعا سؤال تخيلى، لهذا سأطرح عدة أسئلة لعلى أجد لها أيضا إجابات تخيلية، لا احد ينكر أن الأم لن تطرد ابنها أبدا حتى ولو عاش عمره كله بدون وظيفة ولن ترفض أبدا إطعامه وإعطائه مصروف يده طالما أتاحت لها الظروف.. ولكن هل تعيش سعيدة وحياة ابنها تمر يوما تلو الأخر ولا يجد ما يفعله؟... هل هذه حياة ترضها أى أم لأبنائها...؟

أين هم هؤلاء الذين يعطون شقتهم لناس لا يعرفوا عنهم شئ ليعيشوا وينعموا فيها..؟

وأن كانت الحياة وردية هكذا ومصر فقط هى التى تتمتع بتلك الصفات دون غيرها.. فلماذ موجة الانتحار الجماعى من أعلى كوبرى قصر النيل التى تجتاح مصر حاليا ومعظمها لضيق ذات اليد ولعجز الشباب عن الزواج وغيرها من الأسباب التى كانت فى الفيلم لا قيمة ولها والجميع يعيشون بسعادة ولا يشعرون بها... وكانت هى أيضا الأسباب ذاتها التى دفعت الشاب المصرى الأمريكانى الجنسية "أحمد حلمى فى الفيلم" أن يعود لمصر مرة أخرى، عاد ليأخذ مصروفه مثل صديقه من والدته التى لا تستطيع أن تضع على مائدة الإفطار فى شهر رمضان لحمة تكفى الجميع ويجلس مع صديقه كل يوم على القهوة لأنه لا يجد ما يفعله، وأين سيسكن بعد ما أعطى شقته لأخت صاحبه..؟ هل سيجلس معهم أم سيجلس فى شقة صديقه وتعولهم الأم المسكينة...؟

وما أجمل الحياة فى مصر فلماذا تلك الاعتصامات والإضرابات التى لا يخلو رصيف الشعب منها..؟ لماذا لا يتبادل الجميع أطباق الطعام "والمليان يكب على الفاضى" وهكذا حتى يعيش الجميع كما ظهر فى الفيلم وكما تتمتع مصر على حد قولك والذى يعد السبب القوى لتشبث المصريين والأجانب بها، هل هذا كافى لتشبث شاب أمريكى على التمسك بالضرب فى الأقسام دون سبب واضح والتبول فى الشوارع أمام الجميع دون حياء كما فعل صديقه والزحمة والتحرش فى المواصلات العامة والسرقة والنصب على "خلق الله".. هل مجرد أن الجيران يتبادلون أطباق الطعام فى شهر رمضان والم تعول أبنها وأبنتها المتزوجة وجار يساعد جاره فى تركيب أنبوبة أسباب كافية لتحمل كل هذه الإهانات، قد يكون مقنعا لو كان البطل مصرى ولكن مما وضح فى الفيلم انه كان مصرى اسما أمريكى فعلا.. هل تظن أن شخص أمريكى قد يقبل بكل هذا فى بلد غريب خاصة وأنه لن يتخيل حدوث هذا ولا فى أقصى أحلامه الخيالية داخل بلده...

وأن كان الجميع "حلوين أوى مع بعض كدة" لماذا إذن كل جرائم القتل البشعة التى انتشرت مؤخرا ومعظمها بين الجار والأخر ولأسباب لا تتعدى كونها أسباب طفولية..

هل أنت مقتنع سيدى العزيز أن الأسباب التى دفعت بطل الفيلم للادعاء بإصابته بنوبة قلبية ليجبر الطيار على الهبوط بالطائرة مرة أخرى لأرض مصر حقيقية وكافية ومقنعة، وليس معنى كلامى أن مصر خلت من هذه النماذج المتحابة ولكن معناه انه لا يمكن أن يكون فيلم بهذه المعانى القوية العميقة ينتهى هذه النهاية الساذجة فقط لإمتاع المشاهد المصرى الذى اعتاد النهايات السعيدة، أم أنها محاولة لتهوين الحال على المصريين وإقناعهم ولو بالكذب "أن البلد دى أحسن من غيرها"، لكن يا سيدى العزيز أن كان مدة الفيلم هو 90 دقيقة منها 70 واقع مؤلم و 15 كوميديا ساخرة، فلا تكفى 5 دقائق "للضحك على الذقون".. خاصة وأن غالبية المصريين لا مكان لهم للفرار حيث لا يحملون سوى جنسية واحدة وجواز سفر واحد.. فلا تقلق لن يهم الجميع بالرحيل وبالتالى لن تنفعهم نهاية الفيلم لإقناعهم بالبقاء فيها.. فهم باقون سواء انتهى الفيلم بهذه النهاية أو غيرها...

فالنهايات السعيدة والخرافية لا توجد سوى فى الأفلام الهندية التى يعيش شعبها فى ظروف أكثر بؤسا منا ولكنهم اعتادوا تلك النوعية من "الأفلام الأفيونية" التى تطير بهم ساعات خارج حدود الواقع، ولكنها لم تعد تجدى نفعا مع المصريين الذين أصبح افاق تحليقهم مغلقة بسبب سوء الأحوال الجوية.


ك.ك
8-6-2010