11‏/05‏/2011

سطور الكتاب وهوامشه

لماذا يرضي الكثير منا أن يعيش في الهوامش تاركا سطور الحياة تمر ولا يذكره أحد فيها.. لماذا يختار إنسان بكامل إرادته أن يكون مجرد كلمة في هامش صفحات كتاب لا يلتفت له من يقرأه لأنه لا حاجة له بالهوامش ويكتفي بالسطور الرئيسية.. بينما أمامه أن يصبح عنوان كتاب آخر في يد قارئ شغوف لقراءته ويتخلل ذكره كل أسطره..



ما الذي يدفعنا لأن ننزل من العناوين الرئيسية إلى تلك الجانبية ثم منها إلى السطور.. وأخيرا إلى ما تحت السطر في طيات الهوامش.. ونقفز من صفحة لأخرى في محاولة للفت انتباه القارئ.. بينما هو منشغل بمحتوى الكتاب ولا يحتاج لهوامش شارحة تساعده على فهم السطور الرئيسية.. قد يكون لعدم اكتراثه.. أو لأنه يترك لنفسه مساحة اكتشاف المعاني الغريبة بمفرده.. أو أنه بالفعل مدرك لكافة المعاني ولا يحتاج لتلك الهوامش.. ولكننا نجد المتعة فقط في أن نبقي تحت ناظريه حتى وهو لا يكترث لنا.. ننتظر تلك اللحظة التي قد يحتاجنا فيها.. رغم ثقتنا بأنه قارئ محنك ذو ثقافة عالية لا يحتاج أبدا لتلك الهوامش لأنه قرأ هذا الكتاب من قبل.. وقد يكون مله في الأساس..

والمثير للعجب أكثر.. هو هذا القارئ الذي قرأ الكتاب ووجد في تلك الهوامش عنوانا مناسبا لكتاب أكثر جاذبية.. يحمل طابعا خاصا.. وعند محاولة نزعنا من الهوامش لوضعنا على الغلاف الرئيسي لكتابه.. يجدنا متشبثين بكل قوة بتلك السطور الضئيلة.. التي عادة ما تُكتب بخط أصغر بكثير من خط كتابة الكتاب ذاته.. ولا مبرر سوى شعورنا بأننا في تلك الهوامش وبهذا الحجم الضئيل من خط الكتابة أكثر قيمة من أن نصبح عنوان ومحتوى كتاب بأكمله.. يا لسذاجتنا.. ماذا تفعل تلك الهوامش لو قرر هذا القارئ ترك الكتاب بأكمله.. فهل ينتبه لها قارئ آخر.. بعد أن يصبح هذا الكتاب متهالكا.. واختفت سطوره الرئيسية ذات الخط العريض.. فما حال تلك المكتوبة بأصغر..

يبقي السؤال.. هل نحن ما نختار أن نكون الأسطر أم الهوامش.. أم من يقرأ الكتاب هو الذي يحدد لنا ما نكون.. وماذا لو كنا في وقت ما العنوان والموضوع.. ثم وجدنا أنفسنا في هوامشه.. هل نبقي ونرضي لعشقنا لقارئ الكتاب ذاته.. ونرضى بمطالعته لنا بدون إكتراث.. أم نرحل بقطرات الحبر لنُسطر على صفحات أخرى..

ك. ك
11 – 5 - 2011

06‏/05‏/2011

ناس ليها أكل الفراولة وريحة بقها بصل.. وناس تانية بتحول الفسيخ لشربات




لمن لم يقرأ سلسلة قصص "هاري بوتر"ولا يعرف أسوأ الشرور علي الإطلاق فيها والمتجسدة في "الديمنتورات" أو "حراس أزكابان" أصحاب قبلة الموت، أليك تعريف موجز، الديمنتورات هم حراس سجن السحرة المعروف باسم "سجن أزكابان" وهو أبشع الأماكن التي ترهب أي ساحر عظيم حتى هاري بوتر شخصيا، لما يعاني فيه أي كائن علي أيدي هؤلاء الديمنتورات.

بشاعة وغرابة هذه الكائنات تكمن في ما تتغذي عليه، فهي تتغذي علي "السعادة والذكريات الجميلة"، أينعم تتغذي عليها، وتترك للإنسان البؤس والشقاء يعتصره حتى يتمني الموت وهو ما تمنحه إياه "بقبلة الموت" بعد ما يضنيه العذاب، كما أنها ما أن تمر علي مكان به أي كائن حي فانه يذبل ويموت لما تحمله معها من آهات وصراخات المعذبين، ولا سبيل لمقاومة هذه الكائنات في القصة سوي بتذكر أقوي وأهم وأجمل ذكري حتي تهرب خوفا، لأنها برغم أنها تتغذي علي السعادة إلا أنها تخشاها وتفزع منها، ويصبح الشخص أكثر قوة منها بتمسكه بذكرياته السعيدة وعدم الاستسلام لمحاولة سرقتها منه.

ورغم أنها شخصيات خرافية، إلا أنها موجودة ونقابلها كل يوم، فهم هؤلاء القادرون علي تدمير كل ما هو حي، ماحين كل بسمة ونظرة أمل للمستقبل، ومع تكرار مقابلتهم نفقد الرغبة في الحياة، ونستسلم للفراغ ونحقق لهم مرادهم، ولكن تبقي "قبلة الموت" التي يمنحها الديمنتور لضحاياه في القصة، إلا أنها ليست متوفرة لهؤلاء الحقيقيين منهم الذين يعيشون حولنا، لأن الحياة والموت بيد الله وحده، ولكن قد تبقى أجسادنا على قيد الحياة ولكن أرواحنا خاوية من أي بسمة وهو ما يريده هؤلاء الديمنتورات البشرية.

جري العرف أنه عندما تأكل بصلة تفوح من فمك رائحة البصل، وان أكلت الفراولة تفوح منه رائحة الفراولة، ولكن من يتغذون علي سعادة الناس لا تفوح منهم سوي رائحة الكره والغدر والخيانة والتعاسة، فهم يظنون أنهم بالقضاء علي سعادة الآخرين تتحقق سعادتهم والرضي عن النفس والشبع الداخلي، وهم لا يدركون أنه كلما امتصوا سعادة شخص جديد ودمروه كلما اكتسبت نفوسهم عفنا يزيد داخلهم موت ونتاناً.

ديمنتورات العالم الحقيقي هي من لحم ودم، تنتمي لفصيلة البشر، ولا تملك منها سوي أجسادها ودهائها، فهي هائمة بلا روح، فالجسد عندما يتألم بتعاطي ما يسكن آلمه، وإنما آلم الروح لا يريحه سوي الحب والنقاء، وهم لا يعرفون عنه شئ، فإما يملكون أرواح تتألم ولا يبالون حتي اعتادوا هذا الألم، وإما لا يملكون، لأن أجسادنا تتلوث جراء أفعالنا تجاه أنفسنا، ولكن تتلوث الروح جراء أفعالنا المخزية تجاه الآخرين، ولا ينقيها سوي الاغتسال بالندم، وهو ما لا يعرفه هؤلاء، فيصبح خواء أجسادهم من الأرواح هو الاحتمال الأكثر ترجيحا.

لا مفر من مقابلة هؤلاء الديمنتورات ولكن التسلح بالحب والأمل والسعادة يجعلنا أكثر قوة في مواجهتهم، فهم يدمرون ويسرقون حياتنا ولكن بقدر تمسكنا بأفضل ما لدينا ستكون لدينا القوة لقهرهم، قد نستسلم لهم حينا، فالحرب معارك، ولن يكون النصر دائما حليفنا، وليس بالضرورة مقدار الغنائم، قدر عدد مرات هزيمتهم، التي كلما زادت كلما كانت خبرتنا في مقاومتهم أكبر، من يتغذي علي السعادة ولا يدركها، كمن يأكل الفراولة ويفوح من فمه رائحة البصل، فيهرب منه الجميع.

كما أن الأفضل من أكل الفراولة لتفوح منا رائحة الفراولة، هو أن نأكل البصل وتفوح منا رائحة الفراولة، فما ينضح من ذواتنا هو صناعة داخلية بحتة، لا علاقة لها بالخارج، نفوسنا هي مصانع تحويل "الفسيخ لشربات" لإعطاء كل من نقابله كوب يرتوي منه ويتذكرنا دائما بهذا الكوب الذي جاءه في أشد أوقات حياته جفافا.

ك. ك
5 – 5 - 2011