
بالرغم من الأدلة التاريخية التي تثبت وجود سقراط إلا إنه مازال شخصية غامضة ويعتقد البعض أنه شخصية خيالية ابتكرها أفلاطون - في محاوراته - ليوجه رسالة إلى الشعب اليوناني ينتقد فيها الأوضاع السيئة التي وصل إليها المجتمع وقتئذ فنسبها إلى شخصية خيالية مثالية وأسماها سقراط الذي ضحى بحياته ومات شهيدا في سبيل الأخلاق والفضيلة مما يضفى عليها نوع من الجاذبية والتأثير.
ولكن الأكثر واقعية هو التسليم بأن سقراط شخصية حقيقية فعلا أضفى عليها أفلاطون فقط بعض القسمات البطولية، وفي كل الأحوال تم اعتبار سقراط هو الرسالة التي حاولت إيقاظ الشعب اليوناني من غفلته اللااخلاقيه التي سادت وقتها.
ماذا لو لم يكن سقراط فمن سيكون..؟ أي بمعنى لو لم تُوجد شخصية سقراط فمن كان ليظهر عوضا عنه ينادى بالأخلاق والفضيلة..!!، هل كان ليظهر على الأقل شخص واحد يتمرد على هذه الأوضاع السيئة ويواجهها بشجاعة، هل يمكن أن يظل مجتمع فاسد ولا يواجهه احد أو حتى يشعر بمساوئه.
فإذا سلمنا بأن سقراط شخصية من وحى خيال أفلاطون فظهوره أذن كان ضرورة عصره فكل مجتمع فاسد يحتاج سقراط خاص به يوقظه من غفلته أيا إن كانت نوعها، فكما قال سقراط دفاعا عن نفسه إنه شبيه بذبابة صغيرة على ظهر جواد عظيم - قاصدا به دولة اليونان - وهذا الجواد يحتاج لمن يوقظه وهذا ما تفعله هذه الذبابة الصغيرة وأن كانوا سيقتلونه فعليهم أن يجدوا آخر ليقوم بهذه المهمة.
ووفق الروايات التاريخية فأنه بعد إعدام سقراط أنقضي العصر الذهبي لليونان، وأن كان هذا دليل فهو دليل علي ضرورة أن يتمتع المجتمع بفكر وسلوك واعي قادر على تقبل الأخر مهما كان اختلافه، ويستمع لكل رأى حتى و أن كان صادرا من ذبابة صغيرة (كما يراه المجتمع ) لعله يكون الباعث له، عوضا عن قتلها تخلصا من صوتها الملح المزعج.
فسادنا يا سادة هو فساد أخلاقي بحت.. فساد وصل للنخاع.. مجتمعات كثيرة أكثر فقرا واشد جوعا من مجتمعنا المصرى إلا أن منظومتها الأخلاقية أسمى بكثير من مجتمعات تعمها الرفاهية والرخاء.. أزمتنا أزمة أخلاق.. بالإضافة إلى هؤلاء الذين ظنوا فى أنفسهم أولياء على سلوك وحرية الأخر متخطين حواجز التعبير بالرأي والتدخل فى شئون الآخرين بفرض وصاية غير مبررة وغير مقبولة.
هل يقبل مجتمعنا الرأى الأخر.. هل يقبل مجتمعنا اختلاف الأخر.. هل يقبل مجتمعنا عقيدة الأخر.. هل يقبل مجتمعنا حرية الأخر التى لا تتعارض مع حريته ولا يحاول تطبيع الآخرين بطباعه.. هل يقبل مجتمعنا ثقافة الأخر.. هل يحترم مجتمعنا الأخر.. هل يقبل مجتمعنا التعايش بسلام مع الأخر.. هل يقبل مجتمعنا عدم التدخل فى شئون الأخر.. أسئلة ذبابة مصرية تحاول العثور على إجابات قبل أن ترافق صديقتها الذبابة السقراطية اليونانية، ولكن هل ستحصل على إجابات من مجتمع يعج بالضوضاء ولا يسمع طنينها أحد.
ك.ك
كتبتها من 3 سنين تقريبا