لم أعجز عن الكتابة مثلما عجزت منذ الأمس عن كتابة ما يجيش في صدري بعد مشاهدة الفيلم اللبناني الفرنسي "وهلّأ لوين؟"، وهي حالة غريبة خاصة وأن الكتابة تصبح أسهل بالنسبة لي عندما أكون في قمة السعادة أو في قمة الحزن، ومشاهدة هذا الفيلم الرائع جعلتني أتربع علي القمتين في وقتاً واحد، علي قدر ما ضحكت، بكيت بشدة، وعلي قدر ما شعرت بالألم، كانت الرومانسية طاغية، فكنت منتشية بتوليفة من الأحاسيس الممزوجة بعناية.
"وهلّأ لوين؟" هو السؤال الذي طرحته الرائعة اللبنانية نادين لبكي _البطلة والمخرجة وكاتبة سيناريو هذا الفيلم_ في مشهد النهاية لفيلم توافرت فيه كافة العناصر من وجهة نظري ليصبح فيلم عالمي ويستحق كافة الجوائز التي حصدها، ومشاركته في المسابقات الرسمية لمهرجان كان ليصبح هو الفيلم العربي الوحيد المشارك.
القضية التي تناولها الفيلم هي "الفتنة الطائفية"، من خلال حكاية ضيعة لبنانية معزولة يعيش أهلها مسلمين ومسيحيين في سعادة وحب وألفة، رغم سقوط أكثر من نصف رجال الضيعة قتلي للحروب ويرقد في المدافن عدد أكبر من الأحياء.
حتى تقع الحرب الأهلية وتنتشر أخبار القتال بين المسيحيين والمسلمين في المدن اللبنانية، لتدور أحداث الفيلم في إطار كوميدي مأساوي تحاول من خلاله النساء ورجال الدين منع وصول الأخبار للضيعة، خوفاً من وقوع فتنة واشتعال القتال بين الرجال، ولم يخلو الفيلم من الاستعراض والغناء والرومانسية من خلال قصة الحب التي نشبت بين البطلة المسيحية والبطل المسلم، ولكن يحول بينهم جدار الدين.
وتأتي نهاية الفيلم بمقتل الشاب المسيحي نسيم الذي يخرج يوميا لشراء حاجات الضيعة من خارجها برصاصة أثناء قتال خارج الضيعة بين مسلمين ومسيحيين، وتخفي أمه خبر مقتله خوفا من اشتعال الفتنة، حتى ينكشف الخبر وتخرج الضيعة بأكملها لتشييعه ويحمل الجثمان رجال مسيحيون ومسلمون وعند الوصول للمدافن يتحرك تلقائياً كل رجل تجاه المدافن التابعة له فيحتاروا في أي مدفن يُدفن، هل في مدافن المسيحيين أم المسلمين، فيعودوا أدراجهم مرة أخري ويسألوا النساء "وهلّأ لوين؟".
معالجة درامية عبقرية لقضية الفتنة الطائفية تناسب كافة البلدان وكما قالت نادين في بداية الفيلم "حكايتي و بحكيها و لمين ما كان بهديها.. عن ناس بتصوم وعن ناس بتصلي.. عن ضيعة علقانة في الحرب عا التلة.. وعلقت ما بعرف وين وضاعت ما بين حربين.. عن ناس صفيت قلوبهم و شمسهم صارت فيي.. وبيقيوا يصفوها تا صار دمهم ماي.. عن ضيعة معزولة ومتفقة عا السلام.. و قصتها مغزولة عا شرايط الألغام .. حكايتي و ما فيها خيللات صحرا سودا.. لهن أقمار ولا هن ورود.. عيونهم كحلها رماد وتا يكبروا الولاد حكم عليهم الزمان يلبسوا تياب اسود.."
تجاوزت قصة هذا الفيلم تلك القصص التافهة التي تصدرها الأفلام المصرية بخصوص الفتنة الطائفية والتي تتناول قصة حب بين مسلم ومسيحية تتسبب في اشتعال الفتنة الطائفية لتدور أحداث الفيلم حول معالجة هذا الجرح العاطفي ويخرج المشاهد وهو يسب ويلعن علي الحب وسنينه وإلقاء اللوم علي التربية والأخلاق في نشوب مثل هذه العلاقة، وعوضاً عن الخروج بمضمون أو عظة يخرج كل متفرج مشحون عاطفياً ضد الأخر، ويتحول الفيلم إلي قضية بحد ذاته، ويتحفز القائمين عليه للدفاع عنه مبررين بأنه يعكس الواقع، وهو في الحقيقة لا يعكس سوي تفاهات تحرق من أجلها المنازل والمحلات والكنائس ويقتل الناس بعضهم البعض، ورغم وجود مثل هذه القصة في سياق أحداث الفيلم اللبناني "وهلّأ لوين؟" إلا أنها لم تكن المحور الذي يدور حوله الفيلم، أو من أجلها تتطور الأحداث، بل كانت مجرد نادرة يضحك بها أهل الضيعة علي البطلين في محاولة لإحراجهم.
واهتم الفيلم بعرض واقع أشد آلما وخطورة للفتنة الطائفية، مبرزاً النتيجة النهائية التي تترتب علي تلك الأزمات وهي القتل والموت الذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي، واستطاعت نادين بحنكة أن تعرض مشاهد جريئة متمردة علي عدد من التابوهات الدينية، كما أبرزت قصة الفيلم الدور القوي للنساء اللواتي قد يفعلن أي شئ لحماية رجالهن وأبنائهن من الحروب، بالإضافة إلي الدور الديني في محاولات احتواء الأزمات الطائفية بصورة مبتكرة بعيدة عن الشعارات والخطب.
ويبقي تأثيره العجيب علي من يشاهده فهو فيلم يتمتع بكوميديا الموقف وكوميديا الحوار بدون إسفاف أو كلمات جارحة وخارجة كما أعتدنا في السينما المصرية مؤخرا علي أن الضحك علي قدر الابتذال والقذارة والتباري في الإيحاءات الجنسية، كما جاءت الدراما مؤثرة لتصبح الدموع إجبارية ولا محاولة للفرار منها، والتطور في الأحداث منطقي ومتسلسل وكل دقيقة من الفيلم تستحق المشاهدة، وكأنه فيلم تم تصنيعه بالقلم والمسطرة حتى لا يشعر المشاهد بأن كلمة واحدة زائدة أو تم حشرها لشغل الوقت.
شكراً نادين لبكي لإمتاعنا بهذا الفيلم الرائع، وشكراً لأنك تعرفين كيف تقومين بمهنتك كمخرجة وممثلة وكاتبة سيناريو، وشكراً لمصممي الرقصات، وشكراً لكاتب كلمات أغاني الفيلم، وشكراً لأني كنت فقدت الأمل في أن أشعر بأن احد أفلام هذا العصر تستحق المشاهدة أكثر من مرة خاصة لو كان فيلم عربي، ففيلم "وهلأ لوين؟" يستحق المشاهدة عشرات المرات والحفر في الذاكرة، وشكراً لمن دعاني لمشاهدته.
كلمات أغنية "يمكن لو" من فيلم وهلأ لوين؟
يمكن لو في بيني وبينك حكي.. كنا حكينا..
يمكن لو في بيني وبينك دمع .. كنّا بكينا..
لو كان في طريق تودّي شوي شوي كنا مشينا..
أو كان في شي درب يوصّل بيني وبينك كنا لقينا..
يمكن لو في بيني وبينك حلم كنا غفينا..
يمكن لو في بيني وبينك سلْم كنا نسينا..
لو كان في طريق تودّي شوّي شوّي كنا مشينا..
أو كان في شي درب يوصّل بيني وبينك كنّا لقينا..
يمكن في نغمة وحدة بيني وبينك عم بتعيد..
يمكن في ناس كتيري بيني وبينك ما بتفيد...
يمكن في قمر أو في شجر أو في جسر حديد...
يمكن في سهل أو في جبل أو في شي وادي بعيد..
يمكن في طريق جديدي بيني وبينك نحنا مش شايفينا... يمكن لو.
ك. ك
10 – 1 – 2012
انا حبيت الفيلم من قبل ما اشوفه
ردحذفوبالظبط موضوع الفتنةاتلخص في الجملة دي"القتل والموت الذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي"
نفسي ناسنا يبطلوا شائعات ومبالغات بتودينا في ستين داهية، لو انا كنت وحشة معاكي، هيتقال المسلمين كلهم وحشين ونفس الكلام لو العكس..
ما احنا على الأرض مش في الجنة..اساسي فيه ناس وحشة كتير المهم احنا بس نعرف نتحكم في غضبنا لما يكون في موقف سيء الطرفين موجودين فيه
دي مسئولية كل واحد فينا
وبالنسبة للاتنين قصتهم توجع قوي..يمكن كان فيه طريق..بس اي طريق ممكن يعمل فتنة..يمكن عشان كدا مش بقوا مع بعض..ودي قوة منهم هما الاتنين
بس على العموم، لو دا فيه عزاء ليهم، الحب بيوجع في جميع الحالات أصلا :)
الفيلم أكثر من رائع يا بسوم لازم فعلا تشوفيه..
ردحذفوالمهم فعلا اننا نعرف نتحكم في غضبنا لأن الخراب والموت لما بيجوا مش بيفرقوا بالدين..
الحب بيوجع في كل الحالات دي أكتر حقيقة مؤلمة.. والبطلين في الفيلم كانوا علي قدر المسئولية.. رغم ان الفتنة مكنتش هتولع اوي لو ارتبطوا بس هما اختاروا ان الضيعة تعيش في سلام بدون حتى مناوشات خفيفة.. لأن الفتنة أشتعلت عشان حاجات تانية غير قصة حبهم
السلام عليكم كارول. أشكرك جدا على هذا التلخيص الجميل للفيلم الذي توقعت أن يكون فيلما متميزا منذ رأيت الإعلان وسمعت كلمات الأغنية الرائعة والنادرة بالصوت العذب الذي تغنى به ذلك الصوت الرائع. أشكرك جدا. فعلا نحن بحاجة لافلام بهذا الرقي والعمق الإنسانيين وهذه التوليفة النادرة بين الضحك والرومانسية التي فقدت معناها في هذا العصر. شكرا
ردحذفعليكم السلام
حذفهو فعلا فيلم عبقري والاغاني رائعة..
شكرا علي زيارتك للمدونة واتمني تبقي قارئ دائم
FANTASTIC
ردحذف