
كما أن أفكار السلفيين المتطرفة لم تقف عند حد هدم الأضرحة، بل نادت بدفع المسيحيين للجزية ومنعهم من التجنيد، وتطبيق الحد وهو ما دفعهم لقطع آذن مواطن مسيحى دون ذنب، بحجة تطبيقه، وما ان أنكشفت فعلتهم القبيحة حتى تم الصلح مع المواطن الذي خاف على حياته وقبل الصلح معهم، وهو ما كشف عن وجههم المرعب القبيح العاشق للعنف إشباعا لتعطشهم للدماء، وغيرها من السلوكيات الإرهابية، ودعوات مخيفة للرحيل عن مصر لكل من لا يعجبه كلامهم، أي أنه لا مجال للنقاش أو الاختلاف وإنما الطرد وكأنها "وسية" يطردون منها العاملين أو البديل وهو القتل والعنف.
ولكن الغريب هو ما أن خرج سلفيو مصر من الفانوس عقب سقوط النظام الفاشي لمبارك حتي خرج سلفيو مناطق أخري يؤيدون هذه الأفكار الوحشية المتطرفة، وكانت أولى جرائمهم هى قتل ناشط السلام الإيطالي فيتوريو أريجوني في غزة والذي عاش هناك 4 أعوام يخدم القضية الفلسطينية، وكأن تحضير عفريت السلفيين في مصر عقبه زار جماعي أستحضر معه شياطين العالم أجمع، ولأن غزة هي الأقرب لمصر فأن ظهور تأثير أعمال العفريت كانت جلية.

لن أدعي أني أعرف هذا الناشط، ولكن خبر مقتله بطريقة وحشية دفعني لمعرفته، فهو شاب إيطالي من مواليد عام 1974، يعمل ناشط سلام ويعيش في غزة منذ عام 2008 دفاعا عن القضية الفلسطينية وشعب غزة، وكان وصفه لصفحته علي الفيس بوك هو "أن كان لديه ما يقوله فهو لماذا هذه القوة الغاشمة في غزة وأنه يريد العدالة لأولئك الذين لم يعد لهم صوت ولم تعد هناك آذان لسماعهم".

قُتل فيتوريو أريجوني بطريقة وحشية علي أيدي سلفيو غزة الذين يريدون إطلاق سراح أحد سجنائهم لدي حماس، فخطفوه بحجة مبادلته، دون وجود أى رابط على الإطلاق يقبله العقل أو المنطق، كما أنهم يرون أن حماس متراخية في التعامل مع إسرائيل، بالإضافة إلي أنهم يريدون طرد كل المسيحيين من غزة، وكان الدليل الأكيد علي وحشيتهم هو ما قاله إيهاب الغصين المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة حماس في مؤتمر صحفي، إن أوريجوني قُتل بعد ساعات قليلة من خطفه وهو ما يدل علي أنهم كانوا ينون قتله سواء تم الإفراج عن سجينهم أو لم يتم وأن خطفه منذ البداية كان غرضه قتله وليس المبادلة كما يدعون.

فيتوريو أوريجوني شاب إيطالي ترك حياته الطبيعية وآثر الحياة في قطاع غزة، دفاعا عن قضية يراها من وجهة نظره أنها تستحق التضحية بكل شئ، حتى فقد حياته علي أيدي من كان يدافع عن قضيتهم، وكان أخر ما سجله علي مدونته يوم 13 أبريل 2011 أى قبل مقتله بيوم واحد 3 مواضيع 2 منهم يتناولان قضايا الوطن العربى، واحد عن أنفاق غزة التي من وجهة نظرى وما تم مصادرته منها خلال الفترة الماضية يثبت أن ما يتم تهريبه عن طريقها هو سلع كمالية والسيارات الحديثة التى لا يمتلك المصريين منها سوى ما يعد على أصابع اليد للفئات الثرية، بالإضافة إلى تهريب السلاح لقطاع غزة، إلا أن هذا الناشط شهيد الإنسانية والتضحية والحب يرى أن الأنفاق تنقذ معاناة الفلسطينيين وقام بوضع لينك ما كتبه على المدونة خاصته علي صفحته علي الفيس بوك وكتب فوقه "إنها حرب غير مرئية من أجل البقاء" ترى أنت بعيون محبة بريئة فيما نظرت لك عيون الشر بغدر ووحشية.
وكان الموضوع الأخر بخصوص الرئيس المصري المخلوع مبارك بعنوان "كيف لرجل بلا قلب أن يصاب بنوبة قلبية"، وكان مرفق مع الموضوع صورة لحمام السباحة في فيلا مبارك بشرم الشيخ والتي أثارت جدل واسع عقب نشرها في صحيفة المصري اليوم، أنشغل بقضايا أمة لا تمت له بصلة وعمل على أستغلال قلمه وموقعه كناشط سلام لتوصيل صوته والتنديد بما يتعرض له كثير من الشعوب العربية من قهر وظلم، وانتهى مقتولا وقبلت الأرض التى حارب من أجلها دمائه.

لم تكن الإنسانية ذات يوم صاحبة عقيدة سوى عقيدة حب الإنسان لأخيه الإنسان دون شروط أو قيود، وهو ما قدمه فيتوريو أوريجوني الناشط الايطالى لناس مختلفين عنه فى اللون والعقيدة والعرق، بالإضافة إلى أن قضيتهم لم تكن تمثل ضررا على حياته كمواطن إيطالى وإنما كانت تمس إنسانيته المرهفة، ولا أعلم حتى الآن كيف ستتقبل أسرته ومن يحبونه العزاء فيه خاصة وأنه قُتل دون ذنب سوى أنه إنسان مارس عقيدة الإنسانية وكان جزائه القتل على يد من تخلى عن حياته من أجلهم.

هل كان يعلم أوريجونى أن من ترك حياته من أجلهم وعاش وسطهم 4 أعوام وغنى معهم "فلسطينيين.. فلسطينيين.. اليوم.. اليوم.. عيدك يا بلدى"، سوف يخرج منهم من يقتله بوحشية لأنه قادم من دولة كافرة كما برروا بعد جريمتهم، ألم يكن كافرا حين نزل الأنفاق لتسجيل ما يحدث فيها، هل كان كافرا عندما خرج يهتف من أجل تحرير غزة والتنديد بسلوكيات إسرائيل، هل كان كافرا عندما شارك فى مشاريع لخدمة القطاع.

لم تشفع له 4 سنين تضحية وحب دون مقابل لدى القتلة، ولم تغفر له كفره لديهم كما يقولون عنه، حيث خولوا لأنفسهم مجازاة البشر دون الله، ونصبوا أنفسهم مؤمنين والبقية ضالة كافرين، رحمه الله أي كان عقيدته وإنتمائاته، فهو عرف الله عن حق، لأن الله محبة.

ك. ك
15 – 4 - 2011