حملتها بين ذراعي أمام مجلس الشعب منذ يومين وشعرت بدقات قلبها قوية وكدت أبكي لحالها وحال والدها البائس.. لم أكن أعرف أنها حبيبة محمد عبدالله عبد العظيم.. تلك الطفلة التي تناولت عدة وسائل إعلام قصتها منذ 3 سنوات تقريباً.. واستضافها معتز الدمراداش عام 2010 في برنامجه 90 دقيقة بحضور الدكتور جمال الزينى عضو لجنة الصحة بمجلس الشعب وقتها..
بعيداً عن كل هذا سوف أحكي قصة لقائي مع حبيبة ووالدها.. كنت في انتظار نائب بارز ومعروف بمجلس الشعب لإجراء حوار معه للجريدة التي أعمل بها.. ولأني لست بمحرر برلماني فلم يكن من حقي دخول مجلس الشعب إلا بتصريح من رئيس المجلس.. ولذلك توجهنا لبهو الفندق الذي يقيم به بجوار المجلس لإجراء الحوار.. وعندما انتهينا عدت مرة أخري لمجلس الشعب للقاء زميل لي أمام باب مجلس الشوري.. وفوجئت بحضور الأستاذ محمد عبدالله ويحمل حبيبه أبنته علي كتفه ويحمل في اليد الأخرى رزمة أوراق ضخمة.. ولأنه رجل ملتحي ولأن النائب الذي كنت أجري معه الحوار معروف وكل من يراه في الشارع يلقي عليه التحية ظننت أن هذا الرجل قادم أيضاً لإلقاء التحية عليه..
ولكن ما حدث كان العكس تماماً حيث سأل الأستاذ محمد عبدالله النائب عن مقر السفارة الإسرائيلية.. ففوجئت أن النائب يصف له من أين يذهب ودون أن يسأله عن السبب.. حتى خرجت الكلمات من فم عم محمد موجعة حين صرخ وقال "أحنا قطع غيار ليكوا يا باشا".. لم أفهم شئ أنا وزميلي والنائب.. شعرت بخوف فحاولت أنا أن أهدئ الرجل.. ولكنه راح يردد "أحنا قطع غيار ليكوا يا باشا.. أحنا درجة ثانية يا بيه".. وهنا سأله النائب ماذا يقصد بكلامه.. فقال محمد "ده كلام وزارة الصحة يا باشا.. بنتي اخدت جرعة تطعيم غلط جابت لها شلل وعمي وبقالنا سنين متبهدلين ومعانا موافقة للعلاج في الخارج علي نفقة الدولة لكن مش معانا تأشيرة وانهاردة وزارة الصحة قالت لنا متجوش تاني عشان انتوا درجة تانية وملكوش ثمن.. حتى الدوا مش عايزين يصرفوه للبت.. حرام عليكوا يا كفرة"..
لم يستطع النائب أن يقف أكثر من ذلك فاستأذن منه وقال له احكي قصتك للزملاء فهم صحافة قد يساعدوك.. فصرخ الرجل مرة أخري قائلاً "صحافة ايه حرام عليكوا انتوا جوة في التكييف واحنا بنموت ده أنا روحت قناة الرجاء بتاعت المسيحيين والناس هناك قابلوني أحسن منكوا ووعدوني أنهم يتكفلوا بكل العلاج بس أنا أخد التأشيرة عشان أسافر بالبت برة وأنتوا حتى مش عايزين تسمعونا ربنا ينتقم منكوا قلتوا هتساعدونا مهي لو رقاصة ولا واحدة لابسة عريان هتدخلوها وتساعدوها أنا عايز أروح السفارة الإسرائيلية عشان تساعد بنتي عشان هناك هيعامولنا زي البني آدمين".. التفت النائب وقال له بتهكم "روح السفارة الأمريكية أقرب وهيساعدكوا أسرع".. وانصرف النائب وترك الرجل معي أنا وزميلي..
حاول زميلي تهدئة الرجل الذي ثارت ثورته عقب رد النائب.. واقترح عليه أن يحاول الدخول للنائب أكرم الشاعر رئيس لجنة الصحة قد يستمع لشكواه.. رفض الرجل أي اقتراحات بخصوص طلب المساعدة من البرلمان واصفاً أياه بأنه برلمان البشوات وقال "يا بيه دول تجار ذهب ورجال أعمال وبشوات هيحسوا بينا أزاى ولا يساعدونا ليه.. هما خلاص وصلوا للي هما عايزينه وبعد كدة هيدوسونا".. هنا تدخلت فى الحوار وحاولت اقناعه أن يحاول مقابلة أكرم الشاعر.. فوجدته ينزل حبيبه من علي كتفه ويُجلسها علي فيسبا تركن في الشارع ويطلب من مجند أن يمسكها حتي يُخرج لي أوراق وقصاصات جرائد تناولت قصة ابنته.. حاولت أن امنعه وأؤكد له أني أصدقه ولا يجهد نفسه خاصة وأنها حقيبة كبيرة.. ولكنه أصر.. وهنا وجدت نفسي أسند حبيبة علي الفيسبا فشبكت يدها في ذراعي فحملتها وتأبطت هي ذراعيها حول عنقي ونامت..
حكي لي الأستاذ محمد عن قناة الرجاء المسيحية التي تريد مساعدته لكن في انتظار التأشيرة التي يعجز عن أخذها منذ 3 سنوات.. وقال لي "تخيلي يا أبلة ده المسيحيين بيعاملونا أحسن ولما أروح القناة يستقبلوني كويس ومهتمين بمشكلتنا وفي قسيس كمان بيقابلني".. ثم أخذ يشرح لي أشياء كثيرة ولكني كنت عاجزة عن التركيز حيث كنت منتبه لدقات قلب هذه الطفلة البائسة التي لا حول لها ولا قوة.. يأتي بها والدها البائس المحبط من قرية دنشواي في هذا الطقس الخانق ليجد أن حرارة الجو تلطف عليه برودة قلوب المسئولين.. وهنا قاطعته وسألته عن رقم تليفونه المحمول لإعطائه لشخص قد يساعده فقال لي "انا مش معايا تليفون ولا بقي معايا أي حاجة".. فسألته كيف أصل له فأعطاني عنوانه.. وحاول أن يحكي لي باقي القصة فاستأذنت منه لأني لابد أن أرحل.. نظر لي بعينيه الدامعتين وسألني بكل رجاء كيف سأساعده.. عجز لساني عن الرد والوعد ولكني قلت له سوف أفعل ما أستطيع فعله..
والآن ها أنا لا أستطيع فعل شئ سوي كتابه هذه السطور.. ولكني أتساءل كيف لم يختلف وضع هذا الرجل البائس منذ 3 سنوات حين كان البرلمان في قبضة الحزب الوطني.. الذي أكتفي وقتها الدكتور جمال الزينى عضو لجنة الصحة بمجلس الشعب أن يبدي تعجبه من إصابة حبيبة بالشلل والعمي جراء جرعة تطعيم أخذها أطفال آخرون ولم يصابوا بأي شئ.. وعقب ثورة 25 يناير وبعد أن أصبح البرلمان في قبضة الإسلاميين أقترح عضو بارز بالبرلمان علي والد حبيبة أن يذهب للسفارة الأمريكية عوض السفارة الإسرائيلية لأنها الأقرب والأسرع في الاستجابة..
هل السفارة الإسرائيلية والأمريكية هي ملاذنا الآن يا نواب الشعب !!!
لا أريد من هذه التدوينة سوي مساعدة هذا الرجل البائس.. وبالنسبة لأداء البرلمان فلم تعد تجدي الكتابة أو النقد..
عنوان حبيبة محمد عبدالله
قرية دنشواي – مركز الشهداء – المنوفية
محمد عبدالله عبد العظيم ابو عامر
لينك يثبت تناول حلقة معتز الدمراداش لقصة حبيبة
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=174145
ك. ك
23 – 4 – 2012