11‏/09‏/2009

عفواً.. لقد نفذ رصيدكم



تكثر الأشياء الضرورية المفقودة فى بلدنا لأنك أكيد فى مصر، ولكن ما الأشياء التى بعدم وجودها يشعر المواطن المصرى بغربة داخل الوطن وأن مصر فقدت أعز ما تملك، وبطرح هذا السؤال على نفسى وجدت أنها لا تحصى، فمثلاً لا يمكن تخيل مصر دون أبو الهول جالساً وهذه النظرة المبهمة المتجهمة بادية عليه، كما لا يمكن تخيل مائدة الإفطار صباحاً فى كل بيت مصرى دون أن يتربع طبق الفول على عرشها ليخرج المواطنون بعد تناوله مباشرة لمواجهة شوارعنا التى لا يمكن تخيلها دون هذه الزحمة المسلية.

إلا أننى توقفت فجأة هل يمكن أن يختفى أبو الهول هكذا دون إنذار مسبق، أى أنه شعر فجأة بالحر فقرر ترك شمس الأصيل ليجلس مسترخياً بأحد جزر هاواى ـ بالطبع لا ـ وذلك لأن أصالته جعلته يعاود التفكير فى المواطن المصرى الذى تعلم الصبر والصمت، متمثلاً به كمثل أعلى فى الخضوع والطاعة والجلوس دون حراك حتى وإن تقدم أحدهم لكسر أنفه.

والفول الصديق الوفى للمواطن المصرى والذى سيظل دائماً هو الأول على مائدة طعامه وقريباً سيكون الأوحد هذا إن وجد، كما أن المصريين يدينون له بالولاء ألا يكفى أنه ما أكسب معدتنا بتناوله الحصانة المطلوبة، وكأنه يؤهلنا لمواجهة تلك الأيام الصعبة التى نتناول فيها عشرات السموم بدءاً بالماء وحتى رغيف العيش ولا يمكن التغلب على هذه السموم إلا إذا كانت معدتنا قد تحصنت بجدار فولى.

وأخيراً الزحمة أليس من المضحك أن أتخيل نفسى فى انتظار مواصلة ما وتأتى فى موعدها أو حتى متأخرة ساعة ونصف فقط، لأفقد بهذا الوصول المبكر تلك اللحظات الممتعة فى متابعة المشاجرات ومسابقات الجرى المنهكة للحاق بها، وما يواكبها من مواقف أغلبها ما يكون كوميدياً لحد البكاء.

لذلك رفضت كل هذه الفروض التى من المنطق ألا تفقدها مصرنا العزيزة فهى جزء لا يتجزأ من نسيجنا، وإنما قفز إلى عقلى تلك الأشياء التى من الممكن أن نعيد النظر فى فقدانها، رغم أن الأمل يكاد يكون معدوماً، فكثيراً ما نسمع عن هذا الرجل تعيس الحظ الذى سقطت عليه شرفة الدور العاشر وهو يسير هائماً ويتركه المسئولون يموت فى هدوء دون إزعاج، انطلاقاً من منظومة احترام الحريات والحياة الخاصة التى يتمتع بها مجتمعنا ويحترمها المسئولون بشدة، وهذا الشاب المنحوس الذى خرج على الكورنيش يرسم أحلامه ليجد الأتوبيس النهرى ينحرف عن مساره ليخرج ويصدمه وكأنك تشاهد فيلم الفك المفترس الجزء الثانى الذى يخرج فيه القرش مسافة 100 متر خارج المياه لاختيار ضحيته ويعود بها إلى المياه، وبالطبع لم يتدخل المسئولون أيضاً لأنه حادث عرضى، وغير مألوف أن ينحرف الأتوبيس النهرى وجل من لا ينحرف عن مساره.

لكن الواقع يثبت أن هذا ممكن فى مصر حيث تسقط العمارات وكأنها مبانٍ ورقية ويخرج علينا إعلامنا المبجل، متوشحاً السواد منهمر الدموع ناعياً هؤلاء الشهداء، وعوضاً عن متابعة الجانى ومحاسبة المسئولين بجدية يعطيهم فرصاً للنجومية بظهورهم لتبرير أخطائهم، فالرجل الذى كان يسير وسقطت عليه الشرفة وجب عليه أن يرتدى خوذة الأمان أثناء سيره فى الطرقات العامة وبذلك يكون هو من خالف قوانين الحماية والأمان بعدم ارتدائه إياها والقانون لا يحمى المهملين.

كما أنه لا يمكن تخيل شهر رمضان الكريم دون أن ترتبط به هذه الحملات الإعلامية الموجهة ولا أعلم لماذا، وكأنهم يستغلون كرم هذا الشهر فى محاولة لإقناع الناس بعكس الحقائق ولعل أشهر ما تمتع به إعلامنا العام الماضى، حملتان يحمل كل منهما شعاراً مميزاً الأولى هى حملة "اللى يولع الأسعار ويخرب البيوت هى الفشخرة والمنظرة يا حبوب"..ألا يشعر القائمون على هذه الحملة بالخجل حتى وإن كان ما يحدث خلال شهر رمضان من إسراف، إلا أنه بالتأكيد ليس السبب فى حالة الغلاء وارتفاع الأسعار المبالغ فيه، والذى تعيشه مصر منذ عام تقريباً فالعام كله ليس رمضان.




والحملة الثانية هى حملة "ابنى بيتك يا بن بلدى كلنا نفضل وراك"، تعيد على هذه الحملة قصة الشاب المنحوس ولكنه بالطبع ليس الشاب إياه الذى صدمه الأتوبيس النهرى، فالمنحوسون كثيرون إلا أن هذا الشاب خدمه الحظ وأرسل له الكارت السحرى، حيث إن الحياة لم تعد فى حاجة إلى فانوس سحرى ليخرج من العفريت عقب حكه وإنما عن طريق خدش المنطقة الرمادية وإعطائه مسد كول يتصل هو بك توفيراً عليك.

وبالفعل اتصل العفريت المبجل بالشاب الطموح ليحقق له أحلامه والتى بعد الضريبة وارتفاع الأسعار لم تعد سوى حلم واحد فطالبه الشاب بفيلا كبير وضغط على رقم 1 ظهرت أمامه فى الفضاء فيلا الأحلام، إلا أنه سمع صوت العفريت يقاطع أحلامه، قائلاً ها هى الفيلا والآن عليك إحضار قطعة الأرض التى سنضعها عليها فأخبره الشاب بعدم قدرته على هذا وقبل أن ينهى كلامه سمع الشاب رسالة مسجلة "عفواً لقد نفذ رصيدكم" كما أن الرقم المطلوب خارج نطاق الخدمة إلى الأبد لذا لا تحاول الاتصال به على الإطلاق.

إلى متى سيظل المسئولون خارج نطاق الخدمة؟ إلى متى سيسمع المصريون "عفواً لقد نفذ رصيدكم"؟ متى سنتخيل مصر يتحمل بها المسئولون نتائج إخفاقاتهم؟

وبالطبع إن لم توجد إجابات لهذه الأسئلة يبقى أنت أكيد فى مصر والتى لم تصلها بعد خدماتنا الاتصالية لذا حاول الاتصال فى وقت لاحق.

نٌشر فى رمضان عام 2008 على الموقع الالكترونى لجريدة اليوم السابع لكن الفاتحه على روحه بقى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق