09‏/06‏/2010

"عسل أسود" ولا "أبيض" أهو أى حاجة فى رغيف


شاهدت فيلم احمد حلمى الجديد "عسل أسود" وتابعته بكل اهتمام خاصة بعد موجة المقالات التى كُتبت عنه فى كافة الجرائد القومية والخاصة منها ما ينقضه ويرفضه ويعتبره يسئ لسمعة مصر فى الخارج التى من وجهة نظرهم بريئة مما يقال عنها لأنها جنة الله فى الأرض.. ولكن من وجهة نظرى أنا فأن نقدهم هذا وخوفهم على سمعتها لابد أن يكون سببه الأساسى هو أنها لا تحتاج تشويه أكثر من ذلك "ومش لازم ننشر غسيلنا اللى لسه متغسلش قدام الناس"... وهناك الفئة المؤيدة له والتى تجده يعكس واقعنا الأليم وحياة المصريين المذرية وكرامتهم المهدرة فى الداخل أكثر من الخارج...

ولكن بين هاتين الفئتين كنت أنا وحدى فى هذه المنطقة فأنا وجدت الفيلم لا بأس به، فيه قدر كبير من كوميديا الموقف وليس كوميديا الإسفاف والابتذال والألفاظ الخارجة، الممثلين قاموا بأدوارهم بصورة مقنعة رغم أنى لست بناقدة فنية ولكن لم أجد أى منهم ثقيل الدم أو يبذل مجهود لأقناعى بدوره، وبالنسبة لقصة الفيلم فقد كانت مشوقة وتعكس واقع المصرى المهان والذى لا تساوى جنسيته فى بلده سوى الضرب والشتيمة "من الأخر.. الجنسية مصرى وانت جوة مصر يعنى علامة مسجلة، والغاوى ينقط على قفاك"، فإذا كنت مصرى وتحتاج إلى أن تشعر بآدميتك فى مصر عليك أن تحمل جواز سفر يحمل جنسية أخرى، وهذا كله عكسه الفيلم بمهارة وبراعة لافتة وهنا كنت انا من المؤيدين.. ولكن هذه الرؤية لم تعجب الكثيرين الذين فضلوا أن يقدم الفيلم قصة المصرى الذى يقضى أجازته على شاطئ الريفيرا فى رحلة مدعمة على بطاقته التموينية والتى توفرها له حكومتنا الموقرة كل عام لقضاء الأجازة الصيفية هو وأسرته للترفيه عن أنفسهم.

ولكن موقفى المؤيد لم يستمر حتى نهاية الفيلم حيث وجدت النهاية غير مقنعة تماما، كيف يمر إنسان يحمل الجنسية المصرية والأمريكية بكل هذه المعاناة فقط لنسيانه جواز سفره الأمريكى ثم تٌعاد له كرامته عندما يحضره وبعد ان يمر برحلة ذل لم تخطر على باله قط ولم يحتملها يقرر المكوث فى مصر، فقط لأن رجل مصرى عجوز تحمل قسمات وجهه عبق التاريخ المصرى يخبره بخبرته المحنكة فى البلد الجميل أن مصر هى البلد الوحيد الذى سيجد فيه أم تعيل ابنها البالغ من العمر 30 عاما ولا يعمل ولكنها لا تشعر بغضاضة بل سعيدة بكونه "عواطلى" ولا تمانع أيضا إعالة أصدقائه وأعطائهم مصروف جيبهم، بالإضافة إلى استقبالها لابنتها المتزوجة هى وزوجها لأن منزل والدته مزدحم، وما أجمل هؤلاء الجيران المميزين الذين يغدقون بعضهم بعض بالأطعمة ويقدمون الخدمات فى كل وقت وكأن ليس لديهم سوى هذه المهام ليقوموا بها طوال اليوم من تقديم مساعدات...

سيدى العزيز أين يعيش هؤلاء الناس؟.. فى مصر.. هل أنت متأكد؟.. هذا سؤال وجهته لكاتب قصة الفيلم وكانت هذه إجابته، وهو طبعا سؤال تخيلى، لهذا سأطرح عدة أسئلة لعلى أجد لها أيضا إجابات تخيلية، لا احد ينكر أن الأم لن تطرد ابنها أبدا حتى ولو عاش عمره كله بدون وظيفة ولن ترفض أبدا إطعامه وإعطائه مصروف يده طالما أتاحت لها الظروف.. ولكن هل تعيش سعيدة وحياة ابنها تمر يوما تلو الأخر ولا يجد ما يفعله؟... هل هذه حياة ترضها أى أم لأبنائها...؟

أين هم هؤلاء الذين يعطون شقتهم لناس لا يعرفوا عنهم شئ ليعيشوا وينعموا فيها..؟

وأن كانت الحياة وردية هكذا ومصر فقط هى التى تتمتع بتلك الصفات دون غيرها.. فلماذ موجة الانتحار الجماعى من أعلى كوبرى قصر النيل التى تجتاح مصر حاليا ومعظمها لضيق ذات اليد ولعجز الشباب عن الزواج وغيرها من الأسباب التى كانت فى الفيلم لا قيمة ولها والجميع يعيشون بسعادة ولا يشعرون بها... وكانت هى أيضا الأسباب ذاتها التى دفعت الشاب المصرى الأمريكانى الجنسية "أحمد حلمى فى الفيلم" أن يعود لمصر مرة أخرى، عاد ليأخذ مصروفه مثل صديقه من والدته التى لا تستطيع أن تضع على مائدة الإفطار فى شهر رمضان لحمة تكفى الجميع ويجلس مع صديقه كل يوم على القهوة لأنه لا يجد ما يفعله، وأين سيسكن بعد ما أعطى شقته لأخت صاحبه..؟ هل سيجلس معهم أم سيجلس فى شقة صديقه وتعولهم الأم المسكينة...؟

وما أجمل الحياة فى مصر فلماذا تلك الاعتصامات والإضرابات التى لا يخلو رصيف الشعب منها..؟ لماذا لا يتبادل الجميع أطباق الطعام "والمليان يكب على الفاضى" وهكذا حتى يعيش الجميع كما ظهر فى الفيلم وكما تتمتع مصر على حد قولك والذى يعد السبب القوى لتشبث المصريين والأجانب بها، هل هذا كافى لتشبث شاب أمريكى على التمسك بالضرب فى الأقسام دون سبب واضح والتبول فى الشوارع أمام الجميع دون حياء كما فعل صديقه والزحمة والتحرش فى المواصلات العامة والسرقة والنصب على "خلق الله".. هل مجرد أن الجيران يتبادلون أطباق الطعام فى شهر رمضان والم تعول أبنها وأبنتها المتزوجة وجار يساعد جاره فى تركيب أنبوبة أسباب كافية لتحمل كل هذه الإهانات، قد يكون مقنعا لو كان البطل مصرى ولكن مما وضح فى الفيلم انه كان مصرى اسما أمريكى فعلا.. هل تظن أن شخص أمريكى قد يقبل بكل هذا فى بلد غريب خاصة وأنه لن يتخيل حدوث هذا ولا فى أقصى أحلامه الخيالية داخل بلده...

وأن كان الجميع "حلوين أوى مع بعض كدة" لماذا إذن كل جرائم القتل البشعة التى انتشرت مؤخرا ومعظمها بين الجار والأخر ولأسباب لا تتعدى كونها أسباب طفولية..

هل أنت مقتنع سيدى العزيز أن الأسباب التى دفعت بطل الفيلم للادعاء بإصابته بنوبة قلبية ليجبر الطيار على الهبوط بالطائرة مرة أخرى لأرض مصر حقيقية وكافية ومقنعة، وليس معنى كلامى أن مصر خلت من هذه النماذج المتحابة ولكن معناه انه لا يمكن أن يكون فيلم بهذه المعانى القوية العميقة ينتهى هذه النهاية الساذجة فقط لإمتاع المشاهد المصرى الذى اعتاد النهايات السعيدة، أم أنها محاولة لتهوين الحال على المصريين وإقناعهم ولو بالكذب "أن البلد دى أحسن من غيرها"، لكن يا سيدى العزيز أن كان مدة الفيلم هو 90 دقيقة منها 70 واقع مؤلم و 15 كوميديا ساخرة، فلا تكفى 5 دقائق "للضحك على الذقون".. خاصة وأن غالبية المصريين لا مكان لهم للفرار حيث لا يحملون سوى جنسية واحدة وجواز سفر واحد.. فلا تقلق لن يهم الجميع بالرحيل وبالتالى لن تنفعهم نهاية الفيلم لإقناعهم بالبقاء فيها.. فهم باقون سواء انتهى الفيلم بهذه النهاية أو غيرها...

فالنهايات السعيدة والخرافية لا توجد سوى فى الأفلام الهندية التى يعيش شعبها فى ظروف أكثر بؤسا منا ولكنهم اعتادوا تلك النوعية من "الأفلام الأفيونية" التى تطير بهم ساعات خارج حدود الواقع، ولكنها لم تعد تجدى نفعا مع المصريين الذين أصبح افاق تحليقهم مغلقة بسبب سوء الأحوال الجوية.


ك.ك
8-6-2010

هناك 8 تعليقات:

  1. وإقناعهم ولو بالكذب ، اكتر جملة عجبيتنى لان هى دى مشكلتنا الحقيقية فعلا اننا بنحاول نقنع نفسنا بحاجات ، مش صح وعمرها ماهتحصل ، واحيانا بنقعد نقول فى شعارات وننادى بمبادئ ما بنطبقهاش على نفسنا اصلا .
    تفتكرى يا استاذة كارول اللى بيقنع نفسه بوهم عايش فيه ده يبقا ايه؟
    انا نفسى اطلب منك طلب ياريت تكتبى حاجة عن الوهم فى الحب وازاى نعالجه لان اسلوبك عاجبنى فى تناول الموضوعات

    ردحذف
  2. فعلا احنا مشكلتنا اننا كتير بنكذب على نفسنا عشان نصدق حاجات مش حقيقية... لكن للاسف فى فرق كبير جدا بين اننا نكذب على نفسنا او نوهم نفسنا فى الحب... لان الحب اى كان نوعه ودرجته هى حالة متبادلة فلو كان فى طرف مش بيحب التانى اكيد هيبان عليه وبالتالى هنا الطرف اللى بيحب ممكن يوهم نفسه بان اللى بيحصل مش حقيقى.. لكن لو الطرفين بيحبوا بعض والظروف صعبة هنا الوهم بيكون فى ان الظروف ممكن تتحسن مش الوهم فى الحب ذاته.. وانا هنزل موضوع مخصوص عشانك بيتكلم عن الموضوع ده ياريت تقريه وتبعتيلى تقوليلى رأيك
    متشكرة جدا على اهتمامك

    ردحذف
  3. انا معاكى جدا فى انى الوهم ممكن يكون فى انى الظروف هتتحسن ، بس برضة انا لسا عند رأى فى انى مهما كان الوهم وفى اى شئ حتى لو مكنش فى الحب لازم الواحد يفوق منه ويتعامل مع الواقع احسن ، لان ده متهيئلى هيكون احسن ليه وممكن لناس تانية كمان .

    وانا اللى بشكرك على اهتمامك بالتعليقات والرد عليها

    ردحذف
  4. على فكرة مش غلط اننا نتمسك برأينا.. الأهم اننا نقبل الاخر وفكره مش مهم اننا نغير اراء الاخريين.. والوهم معناه بيختلف من شخص لأخر... ومحدش بيفهم أوهام الاخرين.. لأن الشخص نفسه كتير مش بيكون فاهمه

    ردحذف
  5. اولا احب اظهر اعجابي بالشكل الجديد مبروك
    فعلا شكل تحفة

    اما تعليقي علي الفيلم انا لم اشاهد الفيلم لكن عيشتة معاكي من كتابتك للمقال

    انا بطلت احلم بالعربي وحولت الحلم بتاعي للغربي الانجليزي
    مع اني مش قادر اتكلم انجليزي كويس بس في تحويل الحلم والهدف اتحول معايا بسهولة وبالترجمة كمان
    انا زي اي حدا بقي نفسة يسافر برة واموت برة احسن ما اموت واتهان هنا في بلادنا
    والمشكلة ان دا بقي حلم كل الشباب دلوقتي

    صعب عليا اصدق الافلام المصرية التافه " العبيطة " مرة تاني ابدا

    انا واحد من ملايين الشباب اللي اتمتع بعمل وعمل جيد كمان ومع ذلك تعرفوا الضريبة اللي بدفعها صعبة اوي
    غربة عن بلدي وغربة عن اهلي والاصعب غربة عن مراتي وبيتي ومصاريف زيادة وخصمات اكتر
    والامل : مفيش امل
    والهدف : معدوم
    والتقدم " مستحيل "

    دا انا واعتقد ان انا مشكلتي هينة جدا جدا
    في شباب مشكلتهم اصعب بجد

    هل بعد دا كلة ممكن احب بلدي واستريح فيها لمجرد بعض العواطف الاهلية والعائلية
    اعتقد مش ممكن

    ردحذف
  6. أستاذ لودى قارئ المدونة الملتزم هههههههه.. بجد ميرسى أوى والحمدالله أن التصميم الجديد عجبك.. رغم انى كنت خايفة انه يكون قاتم شوية.. وفعلا الواحد يتمنى يموت برة على الاقل هيموت بكرامة مش هيموت مداس بالرجلين... وبجد من كل قلبى أتمنى ان ربنا يحل مشكلتك وتنتهى الغربة تماما ويقرب زوجتك وتبقى الدنيا كويسة.. وبالنسبة لموضوع الخصومات مش انت لوحدك صدقنى اللى بتعانى منها .. احنا فى بلد مهما تديها هتديك على الاد وتاخد منك كمان

    ردحذف
  7. علي فكرة لو مكنش اسلوبك بجد حلوا انا مكنتش تابعت مقالاتك
    بس اسلوبك عجبني
    وافكارك عجباني اوي
    مش زي ناس تانية

    ردحذف
  8. اتمنى المواضيع الجاية تعجبك اكتر يا لودى

    ردحذف