أثناء قرائتي لرواية "أحلام شهرزاد" للدكتور طه حسين، وجدت في حوار بين الملك طهمان بن زهمان ملك ملوك الجن مع أبنته فاتنة أقوي رسالة للسلفيين وغيرهم ممن ينساقون عمياناً وراء من يريدون خدمة مصالحهم الشخصية مستغلين بذلك كل شئ حتي الدين، ولا يتورعوا في شحذ النفوس بكافة الأساليب حتي وأن كانت سبب للإساءة لهذا الدين، فمصالحهم ومطامعهم أقوي من أي شئ، أقوي من خوفهم من ربنا سبحانه وتعالي.
الملك طهمان "لقد كنت أعجب آنفاً بما أوتيتِ من العلم وما بلغتِ من الحكمة يا أبنتي، ولكنى أجد الآن حزناً لاذعاً يؤذي شيخوختىي المتهالكة، لأن ما أوتيتِ به من العلم وما بلغتِ من الحكمة لم يهيئ لك وسيلة تسعدين بها غيرك، كما هيأ لك هذه الوسائل التي تُرضين بها هواكِ، وتحققين بها مآربك، وتظفرين بها علي عدوك.
وقد يكون كلامي هذا ثقيلاً عليكِ يا أبنتي، فإني جربت الملك من قبلك، وعرفت أن الحق لا يبلغ من المرارة في نفس أحد ما يبلغه في نفوس الملوك، وعرفت أن النصح لا يثقل علي أحد كما يثقل عليهم، فلكل امرئ من نفسه ما تعوَد، كما سيقول شاعر من الناس فيما يقبل من الزمان.
ونحن قد تعودنا أن تستقيم لنا الأمور، وأن تجري لنا علي ما نريد لا علي ما يريد غيرنا، ونحن قد ألفنا أن نأمر ولا نأتمر، وأن ننهى ولا ننتَتهي، وأن نُطاع ولا نطيع، فأصبح الشذوذ لنا طبيعة، والجموع لنا فطرة، والاستبداد بالحياة والأحياء لنا قانوناً، فإذا تحدث إلينا متحدث بالحق، أو دعانا داع إلي العدل، ضقنا بذلك أشد الضيق، وكرهناه أعظم الكره، ونكَلنا بمن يدعونا إليه أو يرغبنا فيه تنكيلاً".
قالت فاتنة "هل يقصر إثم الحرب علي هذه الحرب التي نحن مقدمون عليها..؟ ومتي رأيت الملوك يُقدمون علي حرب لا تدفعهم إليها شهواتهم الجامحة وعواطفهم الجائرة..؟.. إن أثرة الملوك والسادة والزعماء هي التي تثير الحرب دائماً وهي التي ترهق الشعوب دائماً.
وأكاد أعتقد أن الشعوب إنما خُلقت ليرهقها الملوك والزعماء بالحرب والسلم جميعا.. فليست الشعوب أعظم حظاً من السعادة أثناء السلم منها أثناء الحرب.. إنا ندفعها إلي الموت حين نحارب.. وندفعها إلي البؤس والشقاء حين نسالم، فهي ضحية لنا علي كل حال".
قال الملك "فقد كنت أرجو أن يهيئ لك علمك وحكمتك ابتكار لون من ألوان الحياة لا تشقي فيه الشعوب بسعادة الملوك والزعماء.. ولكني أراكِ تسيرين في الطريق التي سار فيها الملوك من قبلك.. وقد كنت أنتظر غير هذا، ولكن الظنون تكذب والآمال تخيب..".
قالت فاتنة "أنك يا أبت مستيئس مني لأني أسلك الطريق التي سلكها الملوك والأمراء من قبل، فأحيا لنفسي لا لغيرى، ولا أرفق بهذه الرعية التي لم يرفق بها احد قط.. وهذه نفسها سبب شقائي ويأسي.. فأنبئنى يا أبت ما بال هذه الرعية لا ترفق بنفسها ولا تعني بأمرها ولا تفكر في مصالحها، وإنما ندعوها فتجيب، ونأمرها فتطيع، ونوجهها إلي حيث نشاء فتتجه إلي حيث نشاء، لا يخطر لها أن تأبي إذا بلغها الدعاء، ولا أن تعصى إذا صدر إليها الأمر، ولا أن تمتنع إذا وجهت إلي حيث لا تحب..؟.. أفنكون أرفق بها من نفسها.. وأحرص علي مصالحها وكرامتها مما تحرص هي علي مصالحها وكرامتها..؟.
أليس الرجال منها والنساء والشباب والشيوخ منها يشعرون كما نشعر، ويحسون كما نحس، ويجدون اللذة والألم، كما نجد نحن اللذة والألم، ويحبون الخير ويكرهون الشر، كما نحب نحن الخير ونكره الشر، فما طاعتها لنا في غير روية ولا تفكير، بل في في غير فهم لما تؤمر به وتقدير لما تدعي إليه..".
ك. ك
29 – 7 - 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق