12‏/08‏/2011

الحب يقتله الكمال

"بيجماليون" هذه الأسطورة اليونانية الرائعة.. والتي تم تناولها أدبياً فى معالجات مختلفة من ضمنها مسرحية بيجماليون لتوفيق الحكيم.. وبعيداً عن البعد الفلسفي والدينى لهذه الأسطورة اليونانية.. أعبر عن رأي في الحب.. وفيها كأسطورة تجلت فيها أنانية البشر..

"جالاتيا" هذا التمثال الأسطوري رمز الجمال الأنثوي الكامل الذي لم يوجد مثله علي الأرض.. وبيجماليون النحات الذي نحتها من العاج وأغدق عليها بالجواهر والحرير وأطلق عليها زوجته.. وكرس لها نرسيس هذا الشاب لرعايتها ونفض الغبار عنها حيث لا يحتمل أن يري ذرة واحدة على جسدها العاجي.. حتي وصل في درجة عشقه لها أن طلب من الآلهه أن تبث فيها روح..

وأستجابت الآلهه.. ولم تكن جالاتيا تدرك أي شئ عن حياتها بعد ما بثت الآلهه الروح فيها.. وكانت كل ما تعرفه هو حبيبها وزوجها بيجماليون ولا تتذكر سوي أنها سعيدة وتعشق كلمة أحبك التي يقولها لها.. وكانت تردد علي مسامعه انها لا شئ بدونه.. وانه خالقها وعليها أن تسعده.. وأنه يعرف عنها أكثر مما تعرف هي عن نفسها وأنه شئ يسعدها.. فكان يؤكد عليها أنها جزء من روحه وفنه.. وكان يتباهي هو بصنعه يديه..

ولم يحب بيجماليون في جالاتيا سوي فنه.. معتبراً أنها جزء من عقله وروحه.. ولكن عندما أتت بتصرفاتها الإنسانية الخاصة.. شعر بأنها غريبة عنه.. لأنها أتت بما يخالف تصوره وما نحتها عليه..

أليس هذا ما يحدث في حياتنا عندما نطلب الكمال ممن نحبهم.. ونقوم بتحويلهم إلى تماثيل عاجيه لا يشوبها شائبة.. ثابته لا تأتي بأي حركة تخالف ما قمنا بنحتهم عليه.. وإذا ما أخطئوا ننفر منهم وننبذهم.. ولا نغفر لهم..

أحيانا يحب بعض المحبين ما أضافوه من شخصياتهم علي شخصيات من يحبونهم.. ويسعدوا كثيراً عندما يسمعوا الآخرين يخبرونهم بأنهم أصبحوا متشابهين.. وكم أستطاعوا أن يغيروا في شخصيات من يحبونهم.. فيظنوا أن التغيير دائماً هو الحب.. بمعني أن يصير الطرف الثاني نسخة مكررة من ذواتهم.. وعندما يأتي من يحبونهم بتصرفات مخالفة لما حاولوا تطبيعه عليه.. يوبخوههم ويغضبوا بعلة الحب.. وأنهم يريدوا لهم الأفضل بأن ينسلخوا من شخصياتهم..

وكثيراً ينسى بعض المحبين حياتهم قبل أن يقابلوا من يحبوهم.. ويصبح لديهم فقط حياتهم بعد لقائهم.. بل ويسعدوا بفقدان الذاكرة هذا.. ولكن عندما يفشلوا في إرضاء طموحات أحبائهم التي رسموها لهم.. ويتخلوا عنهم.. يصبحوا بلا حبيب وبلا ذاكرة..

كانت جالاتيا محببة لبجماليون عندما كانت كاملة شامخة॥ تنظر للأفق بجمود وكبرياء॥ نظرة غامضة لا يدركها أحد.. تحمل حنين ومشاعر صامته.. تتمتع بأنوثه لا تضاهيها أي من بنات البشر فيها.. وباقية حلم مخلد.. وغاية بعيدة الأمد.. وعندما أصبحت واقع ملموس تحولت إلي شئ أقل قيمة في نظره.. ومثلها مثل باقي البشر الفانين.. وغير مميزة..

ادركت جالاتيا أن بيجماليون لا يحب فيها سوي كمالها العاجي.. ونحت يديه.. فكانت الحياة بلا قيمة في نظرها.. لأنها لا تعرف عن حياتها سوي أنها تحبه.. بينما كان بيجماليون قاسي متحجر القلب.. وواجهها بأنها بلا روح أفضل بكثير.. لأنها ستكون بعيدة كل البعد عن هفوات البشر وتصرفاتهم الدونية.. وعندما عادت لجمودها.. أفتقد لمستها الحانية.. وقبلتها الدافئة..

بقي هذا التمثال شامخا لا يأتي بما يخالف تصورات بيجماليون أو توقعاته.. وبرحيل الحياة عنها.. أدرك برد الشتاء.. ولم يكن منه سوي أن حطمه وحطم كل ما يذكره بها.. ومات..

ك. ك
9 – 7 - 2011

هناك 4 تعليقات:

  1. للأسف كتير من اللى بيحبوا بيدورا على اللى بيحبوه بس ومش بيحاولوا يشوفوا إيه اللى بيحبه الطرف التانى عشان يقدمه وفى رأى إنه دا أنانية مطلقه، مش وحش إنه يتم تعديل العيوب مش لإرضاء الطرف الأخر ولكن لما نحس إنها عيوب، لكن التخلى عن أشياء لمجرد إرضاء طرف تانى دون إقتناع دا بيبقى تمثيل وعشان كده بشوف الحب تقبل للآخر بعيوبه وحبها قبل مميزاته، لإنه فى الحالة دى بيعرف يتعامل مع العيوب ويتقبلها، لكن اللى بيحاول يغير أو يطبع دا أنانى لإنه مش بيشوف غير نفسه وبيحاول يرضيها على حساب الآخر

    ردحذف
  2. علي فكرة انا اول مرة اعرف القصة دي لكن عندما فراتها تخيلت موقفة كرجل ووضعت نفسي مكانة وتخيلت الموقف من اولة لاخرة من خلال السطور اللي بتكتبيها
    واللي فهمتة بقي "علي قدي يعني "
    - هو رسمها في خيالة وبدا بالفعل يصممها حتي اصبحت بالشكل اللي انتي شايفاه
    - وبعدين اكيد حبها لانها هي اللوحة الفنية الجميلة اللي بيفتخر بيها دا حاجة طبيعية جدا في نفوس البشر
    - ومن كتر حبة لها تمني ان تكوت بشر فنزله من الخيال للجقيقة وهنا بقي الخطا .. "لا تعليق"
    - تعلي بقي نتكلم عن نسخ الشخصية تعرفي انا كرجل مثلا لما احب اتجوز تعرفي انا هختار ازاي
    اولا - هتكون جميلة او معتدلة الجمال "العادي يعني "
    ثانيا - التوافق بين الاتنين يعني لازم نكون متشابهين في اغلب الحاجات وهنا بقي النسخ اللي انتي بتقولي علية

    انا فعلا اعرف ناس كتير مكملشش الطريق بتاعهم لانهم مختلفين في الراي او نقول الشخصية واكيد انتي كمان شوفتي دا

    اوعي تنسي الطابع العربي ان الراجل يحب ان تكون مراتة جزاء منة ومتخرجش عن فكرة

    - اقوليك انا رايي ان الفتاه لازم تكون جزاء من تفكيرها مشابه لتفكير الراجل علشان الحياة عاوزة كدا
    مع احترام الشخصية اللي تعملها الفتاه لنفسها مش انكار ليها لا ابدا

    ردحذف
  3. بالظبط يا جوكسا تغيير الطباع قد يكون ضرورى لإستمرار علاقة.. بس لو التغيير نابع عن اقتناع وليس قهر أو تزييف ..

    ردحذف
  4. غير معروف.. انا مع حضرتك جداااااااااااا أن الاتنين لازم يكونوا متشابهيم بقدر معقول.. ومتفقة جدا ان المراة لازم تكون جزء من الرجل اللى بتحبه.. لكن كتير في أجزاء فينا مش بتعجبنا أوى لكنها بتفضل فى الاخر حتة مننا.. ومحدش بيبتر حتة مش عجباه..
    بس من الإجحاف أن الراجل يرسم صورة في خياله ولما يقابل واحدة يحاول ينزل الصورة دى من فكره عشان يركبها عليها.. لأن هو كدة بيظلمها لأن هى لها كيان خاص هو ميعرفش عنه حاجة ومش هيبقي عايز يعرفه هو هيبقي عايز يكرب الصورة اللى فى خياله وخلاص.. وده ظلم لأنه بيطالبها أنها تمحي نفسها وتبقى الصورة الجميلة اللى فى خياله

    ردحذف